رواية * الباب الضيق * تأليف: أندريه جيد؛ ترجمة: نزيه الحكيم
ولد أندريه جيد في 22 تشرين الثاني عام 1869 لإحدى الأسر الأرستقراطية الفرنسية وأنشأ "المجلة الفرنسية الجديدة" التي لعبت دوراً هاماً في توجيه الأدب الفرنسي خلال ما يزيد على ثلاثة عقود. أصدر العديد من الروايات التي حملت في ثناياها الكثير من أحداث حياته الخاصة، كما في رواية "المستهتر" عام 1902، "الباب الضيق" عام 1909، "سيمفونيتان" عام 1919" أشعار في الكونغو" عام 1927 و"العودة من تشاد" عام 1928. منح جائزة نوبل عام 1947 وتوفي في 19 شباط عام 1951.
في روايته "الباب الضيق"، يمسى الظمأ الصوفي الذي يحاول أندريه جيد تصويره نفوساً مقيدة اليقين. إنها رواية مسيحية بامتياز أو إن شئنا الدقة هي رواية صوفية لكن كل هذه الصلوات وهذه الابتهالات المسيحية والتي تحمل الكثير من "الجانسينيه" و"البروتستانتية" تجعل من الخطأ العظيم أن يتخذ هذه الرواية مرآة للنفس المسيحية العادية. فهذا الشكل من التصوف استثنائي حتى بين أهل الغرب والشمال، بل بين النفوس التي كوّنها المذهب البروتستانتي. ويتساءل جيد: "أتراني أودعت "الباب الضيق" حظاً من الإنسانية الصادقة العامة، ومن الحب، كافياً ليهز أولئك الذين استطاع تعليمهم الخاص أن يؤينهم من مثل هذا البلبال".
في عام 1945 قام طه حسين بترجمة رواية أندريه جيد "الباب الضيق" ذات النفس الصوفي المسيحي، وعندما علم بذلك، كتب أندريه جيد رسالة إلى صاحب "الأيام" بتاريخ 5 يوليو (تموز) 1945 تساءل فيها عن الأسباب التي دفعته الى القيام بمثل هذا العمل. وفي مقدمة هذه الرسالة، كتب اندريه جيد يقول: "لقد أبرزت في كتاباتي احيانا الجاذبية الكبيرة للعالم العربي ولأنوار الاسلام، وقد عشت أحيانا ولوقت طويل بصحبة مستعربين وباحثين في شؤون الاسلام. ومن المؤكد اني قد لا أكون ما انا لو انني لم اطل الوقوف في ظل النخيل بعد ان أكون قد تذوقت حد الوجد الحرقة العنيفة للصحراء، ولقد عرفت عندئذ كيف أغرز الحلة الجديدة لثقافتنا الغربية وأعثر من جديد على اصالة انسانية مفقودة.
الخطأ الكبير لكن حتى اليوم حتى وان كنت قد تقبلت الكثير، وتعلمت الكثير من العالم العربي، فإنه لا يبدو لي ان العكس كان ممكنا لهذا فإن اقتراحكم فاجأني. ترجمة أحد آثاري الى لغتكم.. الى اي قارئ يمكن ان تتوجه؟ والى أي فضول يمكن ان تستجيب؟".
ومجيبا بنفسه على هذين السؤالين، يكتب أندريه جيد قائلا: "ذلك اني اعتقد ان الاسلام ـ ويبدو لي أن هذه خاصية أساسية من خصائص العالم الاسلامي ـ يقدم للفكر الانساني أجوبة اكثر مما يثير أسئلة. هل أنا مخطئ في ظني هذا؟ قد يكون ذلك ممكنا، غير أني لا أحس قلقا كبيرا عند الذين تكونوا وتربوا في ظلال القرآن. انه ـ أي القرآن ـ مدرسة اليقين التي لا تحرض ابدا على البحث...".
ورد د. طه حسين على ملاحظات أندريه جيد في رسالة بتاريخ 2 يناير (كانون الثاني) 1946 يقول: "ولكن لا، أنتم لا تخطئون، ولكن هذا لا يمنع من انكم ارتكبتم خطأ. لقد تعرفتم على المسلمين ولكنكم لم تتعرفوا على الاسلام، وقد تم هذا في فترة عصيبة من تاريخ المسلمين، فترة تدهور خطيرة من ناحية عاطفتهم تجاه دينهم وايضا من ناحية معرفتهم بدينهم. ان هؤلاء المسلمين الذين تعرفتم عليهم، بسطاء وجهلة، لا يمكنهم ان يقولوا لك اذا ما كان باستطاعة القرآن ان يقترح أجوبة أو يثير اسئلة. ان قدرتهم الوحيدة هي مساعدتك على معرفة فولكلور بلدانهم الراضخ لهيمنة الصحراء المجاورة". ويواصل د. طه حسين رسالته الى اندريه جيد قائلا: "لقد رأيتم مسلمين آخرين، ربما كانوا على اطلاع على ثقافتكم الغربية لكنهم بالتأكيد لا يعرفون الشيء الكثير عن ثقافتنا الشرقية. أما المستعربون الذين تعرفت عليهم فانهم لا يهتمون، وهذا ما تفرضه عليهم مهنتهم بالنص أكثر مما يهتمون بروح النص. هؤلاء وأولئك ليس بمقدورهم ان يقدموا لك فكرة دقيقة، عن القرآن وعن تأثيره على الافكار والقلوب: إن الاسلام لا يدعو الى الطمأنينة بل هو يدفع بالعقل الى التفكير الأكثر عمقا ويثير الحيرة الاشد ارباكا. والقرون الخمسة الاولى من تاريخ الاسلام هي الدليل الأكثر إقناعا".
ومعمقا تحليله للحيرة التي يثيرها الإسلام في عقول وقلوب العارفين بخفاياه، يمضي د. طه حسين في كلامه قائلا: «ان هذه الطمأنينة التي تدهشكم، وهذا التحدد الذي يكدركم ليسا ـ وكونوا على يقين من ذلك ـ من الاسلام في شيء وإنما هما دخيلان ومستوردان من الخارج، ان علاقاتكم بالمسلمين والمستعربين لم تسمح لكم بمعاينة القلق الذي اثاره الاسلام في بلاد العرب خلال القرنين الأولين من الهجرة ، قلق اعطى للأدب العالمي شعر الغزل الاكثر غنائية وصوفية» ومتطرقا الى فكرة جيد التي قال فيها ان الاسلام يعطي اكثر مما يأخذ علق د. طه حسين قائلا: «لقد ذهب في ظنكم ان الاسلام يعطي اكثر مما يأخذ وهذا ليس صحيحا: فلقد اعطى الاسلام كثيرا لأنه أخذ الكثير. فقد بدأ بأن أخذ من المسيحية واليهودية، ثم من التراث الاغريقي ومن الحضارتين الفارسية والهندية. كل هذا استوعبه لكي يبتكر منه شيئا عربيا أو منحه ما استطاع ان يمنحه اياه، ثم نقله الى الغرب قبل القرن الخامس عشر ميلادية. وعندما نكون قد أنجزنا مثل هذا العمل، فإننا نكون قادرين على ان نتقبل الثقافة الغربية ونحن نتقبلها جيدا». وبعد ان يحيطه علما بأن العديد من اعماله الروائية تم نقلها الى لغة الضاد، يختم د. طه حسين رسالته الى صاحب «الباب الضيق» قائلا: «انه جدير بثقتكم هذا المشرق العربي الذي ينشر رسالتكم مثلما ذلك مع معلمي العصور القديمة. وتفهموا فرحنا ان تكونوا بيننا في الوقت الذي تم فيه نقل أثرين من آثارك الى اللغة العربية ليتعرف عليها الجمهور المسلم الواسع وسنكون سعداء أكثر اذا ما نجاحها أكد لك ان الاسلام يعرف معنى العطاء كما يعرف معنى الأخذ».
للتحميل
من هنا
الباسوورد: liilas.com
ولد أندريه جيد في 22 تشرين الثاني عام 1869 لإحدى الأسر الأرستقراطية الفرنسية وأنشأ "المجلة الفرنسية الجديدة" التي لعبت دوراً هاماً في توجيه الأدب الفرنسي خلال ما يزيد على ثلاثة عقود. أصدر العديد من الروايات التي حملت في ثناياها الكثير من أحداث حياته الخاصة، كما في رواية "المستهتر" عام 1902، "الباب الضيق" عام 1909، "سيمفونيتان" عام 1919" أشعار في الكونغو" عام 1927 و"العودة من تشاد" عام 1928. منح جائزة نوبل عام 1947 وتوفي في 19 شباط عام 1951.
في روايته "الباب الضيق"، يمسى الظمأ الصوفي الذي يحاول أندريه جيد تصويره نفوساً مقيدة اليقين. إنها رواية مسيحية بامتياز أو إن شئنا الدقة هي رواية صوفية لكن كل هذه الصلوات وهذه الابتهالات المسيحية والتي تحمل الكثير من "الجانسينيه" و"البروتستانتية" تجعل من الخطأ العظيم أن يتخذ هذه الرواية مرآة للنفس المسيحية العادية. فهذا الشكل من التصوف استثنائي حتى بين أهل الغرب والشمال، بل بين النفوس التي كوّنها المذهب البروتستانتي. ويتساءل جيد: "أتراني أودعت "الباب الضيق" حظاً من الإنسانية الصادقة العامة، ومن الحب، كافياً ليهز أولئك الذين استطاع تعليمهم الخاص أن يؤينهم من مثل هذا البلبال".
في عام 1945 قام طه حسين بترجمة رواية أندريه جيد "الباب الضيق" ذات النفس الصوفي المسيحي، وعندما علم بذلك، كتب أندريه جيد رسالة إلى صاحب "الأيام" بتاريخ 5 يوليو (تموز) 1945 تساءل فيها عن الأسباب التي دفعته الى القيام بمثل هذا العمل. وفي مقدمة هذه الرسالة، كتب اندريه جيد يقول: "لقد أبرزت في كتاباتي احيانا الجاذبية الكبيرة للعالم العربي ولأنوار الاسلام، وقد عشت أحيانا ولوقت طويل بصحبة مستعربين وباحثين في شؤون الاسلام. ومن المؤكد اني قد لا أكون ما انا لو انني لم اطل الوقوف في ظل النخيل بعد ان أكون قد تذوقت حد الوجد الحرقة العنيفة للصحراء، ولقد عرفت عندئذ كيف أغرز الحلة الجديدة لثقافتنا الغربية وأعثر من جديد على اصالة انسانية مفقودة.
الخطأ الكبير لكن حتى اليوم حتى وان كنت قد تقبلت الكثير، وتعلمت الكثير من العالم العربي، فإنه لا يبدو لي ان العكس كان ممكنا لهذا فإن اقتراحكم فاجأني. ترجمة أحد آثاري الى لغتكم.. الى اي قارئ يمكن ان تتوجه؟ والى أي فضول يمكن ان تستجيب؟".
ومجيبا بنفسه على هذين السؤالين، يكتب أندريه جيد قائلا: "ذلك اني اعتقد ان الاسلام ـ ويبدو لي أن هذه خاصية أساسية من خصائص العالم الاسلامي ـ يقدم للفكر الانساني أجوبة اكثر مما يثير أسئلة. هل أنا مخطئ في ظني هذا؟ قد يكون ذلك ممكنا، غير أني لا أحس قلقا كبيرا عند الذين تكونوا وتربوا في ظلال القرآن. انه ـ أي القرآن ـ مدرسة اليقين التي لا تحرض ابدا على البحث...".
ورد د. طه حسين على ملاحظات أندريه جيد في رسالة بتاريخ 2 يناير (كانون الثاني) 1946 يقول: "ولكن لا، أنتم لا تخطئون، ولكن هذا لا يمنع من انكم ارتكبتم خطأ. لقد تعرفتم على المسلمين ولكنكم لم تتعرفوا على الاسلام، وقد تم هذا في فترة عصيبة من تاريخ المسلمين، فترة تدهور خطيرة من ناحية عاطفتهم تجاه دينهم وايضا من ناحية معرفتهم بدينهم. ان هؤلاء المسلمين الذين تعرفتم عليهم، بسطاء وجهلة، لا يمكنهم ان يقولوا لك اذا ما كان باستطاعة القرآن ان يقترح أجوبة أو يثير اسئلة. ان قدرتهم الوحيدة هي مساعدتك على معرفة فولكلور بلدانهم الراضخ لهيمنة الصحراء المجاورة". ويواصل د. طه حسين رسالته الى اندريه جيد قائلا: "لقد رأيتم مسلمين آخرين، ربما كانوا على اطلاع على ثقافتكم الغربية لكنهم بالتأكيد لا يعرفون الشيء الكثير عن ثقافتنا الشرقية. أما المستعربون الذين تعرفت عليهم فانهم لا يهتمون، وهذا ما تفرضه عليهم مهنتهم بالنص أكثر مما يهتمون بروح النص. هؤلاء وأولئك ليس بمقدورهم ان يقدموا لك فكرة دقيقة، عن القرآن وعن تأثيره على الافكار والقلوب: إن الاسلام لا يدعو الى الطمأنينة بل هو يدفع بالعقل الى التفكير الأكثر عمقا ويثير الحيرة الاشد ارباكا. والقرون الخمسة الاولى من تاريخ الاسلام هي الدليل الأكثر إقناعا".
ومعمقا تحليله للحيرة التي يثيرها الإسلام في عقول وقلوب العارفين بخفاياه، يمضي د. طه حسين في كلامه قائلا: «ان هذه الطمأنينة التي تدهشكم، وهذا التحدد الذي يكدركم ليسا ـ وكونوا على يقين من ذلك ـ من الاسلام في شيء وإنما هما دخيلان ومستوردان من الخارج، ان علاقاتكم بالمسلمين والمستعربين لم تسمح لكم بمعاينة القلق الذي اثاره الاسلام في بلاد العرب خلال القرنين الأولين من الهجرة ، قلق اعطى للأدب العالمي شعر الغزل الاكثر غنائية وصوفية» ومتطرقا الى فكرة جيد التي قال فيها ان الاسلام يعطي اكثر مما يأخذ علق د. طه حسين قائلا: «لقد ذهب في ظنكم ان الاسلام يعطي اكثر مما يأخذ وهذا ليس صحيحا: فلقد اعطى الاسلام كثيرا لأنه أخذ الكثير. فقد بدأ بأن أخذ من المسيحية واليهودية، ثم من التراث الاغريقي ومن الحضارتين الفارسية والهندية. كل هذا استوعبه لكي يبتكر منه شيئا عربيا أو منحه ما استطاع ان يمنحه اياه، ثم نقله الى الغرب قبل القرن الخامس عشر ميلادية. وعندما نكون قد أنجزنا مثل هذا العمل، فإننا نكون قادرين على ان نتقبل الثقافة الغربية ونحن نتقبلها جيدا». وبعد ان يحيطه علما بأن العديد من اعماله الروائية تم نقلها الى لغة الضاد، يختم د. طه حسين رسالته الى صاحب «الباب الضيق» قائلا: «انه جدير بثقتكم هذا المشرق العربي الذي ينشر رسالتكم مثلما ذلك مع معلمي العصور القديمة. وتفهموا فرحنا ان تكونوا بيننا في الوقت الذي تم فيه نقل أثرين من آثارك الى اللغة العربية ليتعرف عليها الجمهور المسلم الواسع وسنكون سعداء أكثر اذا ما نجاحها أكد لك ان الاسلام يعرف معنى العطاء كما يعرف معنى الأخذ».
للتحميل
من هنا
الباسوورد: liilas.com